30/11/2023

لو كان الفقر رجلاً .. بقلم : نهلة الجمزاوي

Blog image

الفراغ يحاصر جيوبه المثقبة، ليجعله يتذكر حكمة جده الساخرة: المفلس يمر من السوق مسرعا . يسير مطرقا، ممنيا نفسه ببعض ما تلتقطه حواسه من احتياجات ليست بثانوية، فعصارة المعدة الكاوية لا تستمزجه حين يمرّ برائحة الشواء المنبعثة من مطاعم الحي في كل يوم يمرّ مجبرا من الشارع نفسه، متأبطا أوراقه التي ملأها حبرا براقا، تلك الأوراق لا تنال إعجاب زوجته بهيجة بتاتا، بل إنها لا تتوقف عن تقريعه كلما عاد إليها مطوح الذراعين. يتوقف فجأة وكأنه وجد شيئا الفقر لو كان رجلا لقتلته، ما أروعك يا سيدي عليّ لو أنك فعلت.. لماذا تركته يقارع تفاصيل النفس، وينتشر بين الناس مروعا. في تلك الليلة العصيبة التي رفضت فيها بهيجة ذكورته واتخذت لنفسها مكانا قصيّا، قرّر عبد الغني أن يقتل الفقر، وما إن تثاءب الصبح كاشفا بعض ما أخفاه الظلام، حتى خرج شاهرا غضبه ثائرا لرجولته. على ناصية الطريق وجد مسناً يفترش الرصيف ليجمع ما يجود به المارون، حدث نفسه متوعدا هذا هو الفقر . اتجه نحوه مقررا قتله، التفت يمينا، وجد امرأة عرجاء بقربها طفل أبكم، يستجديان المارّة، توقف مصمما بل هذا هو الفقر . تقدم خطوة نظر يسارا ، وإذا بطابور من العجائز والشباب والنساء ينتظرون دورهم لدفع فاتورة الكهرباء، قال: حسناً.. هؤلاء هم الفقر. أوقفه الصوت الأنثوي المنبعث من مظلة انتظار الحافلات، إنها جميلة ما انفكت تخفي جدائلها كلما انسابت من تحت شالها الأسود وهي تضبط ضمم الخبيزة وتنادي: الأربعة بدينار . توقف منقلا بصره في أروقة الشارع الضيق، احتار في أمره أي منهم الفقر لأقتله . وقف متحفزا، فلا رجعة إلى أحضان بهيجة إلا بعد أن يقتل الفقر ويخلّص العالم من شرّه. على ناصية الشارع، رأى صبية تعرض شعرها للبيع على سائقي الحافلات، احمرت عيناه، تصاعد الدم في رأسه، شعر بقبيلة من الرجال تركض في دمه، شتم الشيطان، وانطلق نحوها مقرراً قتل الفقر. * كاتبة أردنية