فلسفة الأخلاق

وصفت التجربة الأخلاقية بأنها ثورة في سبيل التقدم، ورفض الواقع الراهن، تطلعاً إلى مستقبل وواقع أفضل، يضبط حياة البشر على هذه الأرض، وفق ما يشبه القوانين والقواعد السلوكية، التي تستقي أهميتها من قيمتي الخير والشر، وتتفاوت الأخلاق زمانياً ومكانياً، وهي في صيرورة دائمة، تتجدد وتتغير بحسب تغير التجارب الإنسانية، فالإنسان بطبعه ثوري يصبو غالباً إلى الأفضل وإلى ما يحقق مصالحه المادية والمعنوية. والتجربة الأخلاقية بحسب "جورج كورفيتش" ليست سوى ثورة فكرية دائبة، فهي ثورة على الحاضر باسم المستقبل، وثورة على المتحقق باسم ما يجب تحقيقه، وثورة على الأهداف باسم الغايات، وثورة على الغايات والأوامر باسم القيم، وثورة على القيم باسم الحرية المبدعة..الخ. ويؤكد: "إنّ التجربة الأخلاقية ثورية بالدرجة الأولى، وهي ثورة روحية تنشد دائماً مزيداً من العمق..." (العوا، 1983، 7) ويعني أنّ السِّمة الأبرز للتجربة الأخلاقية هي الثورة، وأنّ السعي وراء تجديد وتطوير الأخلاق يحتاج إلى ديمومة من الثورات في معظم مجالات الحياة....وقد أثبتت التجربة التاريخية، صيرورة الأخلاق وتجددها، عبر ثورات فكرية زمانية ومكانية.
وتتضمن هذه الدراسة تعريفاً عاماً بفلسفة الأخلاق، على الصعيدين: اللّغوي، والاصطلاحي، كما تسلط الضوء على الأخلاق، بوصفها مصطلحاً شائكاً، شغل العديد من الفلاسفة والمفكرين وعلماء اللغة، منذ أعمق الحضارات إيغالاً في التاريخ. من هنا علينا أن نفرق جيداً بين الأخلاق، بوصفها مفهوماً لغوياً واصطلاحياً، وعلماً قائماً بذاته، وبين ما يطلق عليه اسم فلسفة الأخلاق، وهذا أمر ليس باليسير، في ظلّ الكمّ الهائل من الآراء، والدراسات التي تناولت موضوع الأخلاق، بكافة مناحيه المعرفية والعلمية والفلسفية.
وتعرض الدراسة موجزاً لفلسفة الأخلاق، لدى أبرز الديانات، والحضارات، والمذاهب الفكرية، التي رصدها تاريخ الأخلاق، بهدف إلقاء قدر من الضوء على الإرث الهائل، الذي راكم لمفهوم الأخلاق المتفاوت بين تلك الأديان والشعوب والمذاهب الفكرية على مدّ التاريخ الإنساني. بقصد تقديم ملخص شامل لمفهوم الأخلاق وإلقاء نظرة بانورامية لفلسفة الأخلاق وتاريخها وتعريف المتلقي بأهمية نشوء علم خاص يبحث في الأخلاق ويستعرض محاولات وصفها، وترجمة معناها لغة، واصطلاحاً، وفلسفةً، وذلك عند مختلف الثقافات ولدى أهمّ الحضارات القديمة. مثل (الهند، ومصر، وفارس والصين، واليونان) وما تضمنتها من ديانات، ومذاهب فلسفية، كالبوذية والهندوسية، والمجوسية....الخ، وكذلك عند أبرز مدارس وفلاسفة الإغريق: (السفسطائيون، فيثاغوروس، هيراقليطس، ديمقريطس، سقراط، أفلاطون، القورينائيون، المدرسة الكلبية، أرسطوطاليس، الأبيقوريون، والرواقيون، الأفلاطونية المحدثة "أفلوطين"). والتعريف بفلسفة الأخلاق عند أهم الديانات السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلامية).
وستعرض الدراسة لفلسفة الأخلاق في الفكر الحديث والمعاصر، وأهم مدارسه منها: (الماركسية، البرجماتية، الوجودية).
كما ستتناول طروحات لنماذج من أبرز رواد الفكر الحديث والمعاصر، ومفكري ما بعد الحداثة، مثل: (ديكارت، مالبرانش، سبينوزا، كانط، شوبنهور، نيتشه...الخ)
وهكذا نكون قد استعرضنا مفهوم فلسفة الأخلاق عبر حقبات زمانية متعاقبة، أي منذ قرون قبل الميلاد حتى العصر الحديث خلال أبرز المدارس الفلسفية وعند أهم الفلاسفة والمفكرين بموجز مفيد ولغة مبسطة تصل إلى المتلقي، بسهولة ويسر، بهدف تعزيز معنى الأخلاق وتفاوتاته المتسقة مع تفاوتات البشر واختلافاتهم الفطرية منذ الأزل حتى يومنا هذا، وبهدف تعزيز عملية إعمال العقل والتفكير الناقد، وتعزيز حرية الفكر والإرادة المبنية على المعرفة، ونبذ العصبوية والأحكام المسبقة، وتعزيز قبول الآخر، والتمييز السليم المتكىء على قيمتي الخير والشر...وذلك وفق دراسة علمية، موثقة ومحايدة.