القادم من المستقبل

القادمُ من المستَقْبَلْ، مجموعةٌ قَصصيّْة تُزاوِجُ بين الواقعي الغرائبي والخيالِ العلميِّ، الذي قد يَستحوذُ على اهتمامِ كلٍّ منَ الكبارِ واليافعينِ، على غَرارِ بعض إبداعاتِ الأدبِ العالميّ، التي قد تَجعلُنا نقعُ في مأزقِ صعوبةِ التصنيفِ، وهي تجربةٌ مختلفةٌ، غامرتُ بها لأجِدَها تَخدمُ على وجه الخصوص فئةَ "اليافعينِ" أيْ منْ هُم أقربُ إلى مرحلةِ الشَّبابِ، حيثُ الخيالُ المجنحُ، والميولُ نحوَ استكشافِ عالمِ المجهولِ فـي الفضاءِ والكواكبِ الموجودةِ أو المُفترَضةِ... ومن حيث اتكاءُ هذا الخيالِ العلمي على واقعٍ معيشٍ، أي أنّه ليسَ خيالاً علميّاً بحتاً أو مستنداً إلى الإثارةِ المجانيةِ كما فـي بعضِ الأفلامِ الغربيةِ، إنما هو خيالٌ موظّفٌ ومحمّلٌ برموزٍ معرفـيّةٍ فكريّةٍ وأخلاقيّةٍ ذاتِ خطابٍ إنسانيٍّ كونيّ، يتجاوزُ العرقَ واللونَ والحدودَ الجغرافـيّةَ، وهنا نأتي باللامعقولِ أو الخارقِ، لخدمةِ المعقولِ المستمدِّ منَ الواقعِ والهَمِّ الحياتيّ البشريّ العامِّ، أي أنّ الخطابَ في بعض هذه القصصِ يستندُ إلى أدواتٍ علميةٍ متَخَيلةٍ، تُشكلُ بديلاً عن حكاياتِ الخوارقِ المألوفةِ، المتكئةِ على السِّحريةِ والقُدرةِ على اختراقِ حَواجزِ الزمانِ والمكانِ، وَفقَ معقوليةِ الواقعِ المعيشِ؛ فقد أصبحتِ التقنياتُ العلميةُ المتخَيَلةُ بديلاً عن بساطِ الريحِ ومصباحِ علاءِ الدينِ على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ، وهذه المجموعةُ القصصيةِ، محاولةٌ لتقديمِ ما هو مُختلفٌ على صَعيديِّ الشَّكلِ والمَضْمونِ، ففي جانبِ الشَّكلِ عَمِدْتُ إلى كَسرِ القوالبِ المألوفةِ، في مزاوجةٍ بين السَّردِ والحوارِ والمُنُلوجِ، بهدفِ زَجُّ المتلقي لا سيما اليافع في قَلبِ الحَدَثِ وخَلقُ أُلفةٍ بَينهُ وبينَ الشَّخصياتِ، إضافةً إلى إعدادهِ النَّفسيِّ والمَعرفيِّ لِتَلقي أدبَ الكبار بصنوفهِ كافةً، في مَرحَلةٍ قريبةٍ لاحقةٍ، كما عَمِدْتُ في مضاميني إلى المُزاوَجَةِ أيضاً بين الخيالِ والواقع ِ، من أجلِ تَحفيزِ مُخيلةِ المُتلقي اليافع ِ على وجهِ الخصوصِ، في عصرٍ باتَتْ فيه الآلةُ تُسَيطرُ على الحياةِ ومُفرداتِها. من هنا يأتي التأكيد على أهميةِ القيَمِ الإنْسانيةِ وارتقائِها بالرغم من طغيانِ الآلةِ وسيطرتها على تفاصيل حياتنا، فالمعادلة في قصة مذكرات العم حاسوب مثلاً، معكوسة تماماً فالحاسوبُ يتأثرُ بالطفلِ وهمومهِ، ويتعاطفُ معهُ ويتمنى الاقترابَ من عالمِ الإنسانِ، كما عَمِدتُ في هذا العملِ على إشراكِ المتلقي ونقله من موقع ِالمُتَفرِّجْ السَّلبيِّ إلى موقع ِالمُشاركِ في التَّفكيرِ بحلولٍ لبعضِ مشاكلِ العصرِ. فيما جَعَلتُ في قصةِ القادمِ مِنَ المُسْتَقْبَلِ، صورةٌ مشرقةٌ مُتخيلةٌ حولَ مُسْتَقبَلٍ جميلٍ خالٍ من المَشاكِلِ وهذا يَتحَقَقُ بِفعلِ العَمَلِ من أَجلِ ذاكَ المُستَقبَلِ لا انتظارهِ فَحَسبْ. من هُنا اشتَغلتُ على تَرميزِ الواقع ِ المَعيشِ بأدواتٍ مُتخيَّلة مِن أجلِ تَحفيزِ مُخَيلتهِ وتَدْريبهِ على عُنصرِ التَّأويلِ، وبالتالي تنمية قدراته الذهنية والمعرفية، ورفدها بالحكمة والقيم الفلسفيّْة المبسطةِ بعيداً عن الوَعظيَّةِ المباشِرَةِ، .. كما عَمِدْتُ إلى النهاياتِ المفتوحةِ من أجل تركِ مساحةٍ للتَّفكيرِ والخيالِ، مما يُساعدهُ على البَحثِ والتَّقَصّي، ويفتح ِالأبوابِ أمامهُ في محاولةٍ لفهمِ أبرز مفردات الحياةِ، وربما الإسهام في صنع بعضها، وعدم انتظار القوالبِ الجاهزةِ، مما يُكسبه المزيدَ من الثقةِ بالنفسِ وبقدرتهِ على التعاملِ معها.