عن السرد النسائي ومجموعة «يدفنون النهر» لنهلة الجمزاوي
.jpeg)
د. محمد عبدالله القواسمة
يُلاحظ على كتابات النساء، خاصة الأنواع السردية من رواية، أو قصة قصيرة، أو حتى قصة قصيرة جدًا بأنها في الغالب مقتصرة على موضوع العلاقة بين الرجل والمرأة، وتُصوّر هذه العلاقة بأنها مبنية على الصراع والعداوة لا على المحبة والتعاون. ربما يعزى هذا إلى ما تتعرض له المرأة من قهر وظلم وعذاب على يد الرجل، الذي يملك سلطة المال، وسلطة القوة. أو لإحساسها بتلك النظرة الدونية من المجتمع، بأنها مصدر الشرور والآثام.
لقد اندفعت النساء الكاتبات في بلادنا ضمن الحركة النسائية، التي يشهدها العالم منذ بداية القرن الماضي إلى تبني الدفاع عن حقوق المرأة، التي أقرتها الأمم المتحدة: حقوقها الشخصية، والتربوية، والسياسية وغيرها؛ فأنتجت،في الغالب، أنواعاً سرديةبدت فيها إما مظلومة ومستعبدة، والرجل هو المتحكم بها والقاسي عليها، وهمها في هذه الحالة الإطاحة بسلطته، وإنقاذ بنات جنسها من جبروته وسطوته، وإما ضعيفة مستسلمة لواقعها، وتستخدم انوثتها وجمالها لتحظى بقبول الرجل ورضاه، وهدفها في هذه الحالة الاحتفاظ بعلاقتها به حبيبًا، أو زوجًا، أو أبًا، أو أخًا.
في كلتا الحالتين السابقتين ظلت العلاقة بين الطرفين، كما تُظهرها الكتابات النسائية غير صحية وغير سليمة؛ لهذا فلا عجب أن نشأ عندنا نوعان من الكتابة النسائية من حيث الموضوع:كتابة عدائية للرجل، وكتابة إغرائية له.
لكن، ما استوقفني في هذه الأيام هو ما قرأته في قصص مجموعة نهلة الجمزاويالتي تحمل عنوان «يدفنون النهر»؛ففي هذه القصص خروج واضح على عالم الكتابة النسائية السابق؛ فالقاصة نهلة عندما تتناول العلاقة بين الرجل والمرأة فإنها تتناولها على أساس من الحب والتعاون بينهما لا البغضاء والكراهية. وهي لا تكتفي بتناول هذه العلاقة بل تتعداها إلى تناول موضوعات وقضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية وغيرها مما يهم المجتمع، ويساعد على ازدهاره وتقدمه.
فمن القصص التي تنبني على العلاقة بين الرجل والمرأة قصة «مطر العيون». وتبدو العلاقة رومانسية بين عاشقين لا يعكرها غير المجتمع بعاداته وتقاليده التي ترفض الحب بين الاثنين. لهذا فإن الصراع في القصة يتجه نحو الخارج، ويقوم على تحمل تبعاته العاشقان معًا. فيغادران المكان لينعما بالحب بعيدا عن عيون الناس.ومثلها قصة» لو كان الفقر رجلاً» إذ يقف الرجل والمرأة معًا في مواجهة الفقر، وتكون المرأة عاملًا محفزا الرجل على العمل، ونقد الأغنياء الذين لا يساعدون الناس على تخطي الفقر والحاجة.
أما القصص التي تتناول قضايا بعيدة عن العلاقة بين الرجل والمرأة فكثيرة، منها قصة «يدفنون النهر» التي حملت المجموعة عنوانها، فهي تُظهر، من خلال عالمها الرمزي، عجز المتخاذلين والطغاة عن وقف سير الحياة، كما يجري على الأرض الفلسطينية. وفي قصة أخرى تحمل عنوان «الرجل القرمزي «فذلك الرجل تترصع بذلته العسكرية بالأوسمة، ويتبين أنه صاحب انتصارات وهمية، وأوسمته مسروقة من جثث الموتى.وفي قصة قصيرة جدًا بعنوان «مسرحية» تنتقد الكاتبة الفن الذي لا يحقق الإدهاش لدى المتلقي.
هكذا رأينا القصص التي وردت في مجموعة «يدفنون النهر» تتخطى الكتابات النسائية السائدة؛ فتقدم العلاقة بين الرجل والمرأة بأنها علاقة مبنية على التفاهم والمحبة. ولا تحصر عالمها القصصي في تبيان هذه العلاقة بل تتجاوزها إلى تناول قضايا أخرى في المجتمع.ويبدو الرجل والمرأة في قصص المجموعة كلها كائنين متساويين في الحقوق والواجبات، لا تمييز لأحدهما على الآخر. إنها قصص تتناول الحياة بجوانبها المختلفة، قصص أبدعتها ذات متمردة على ذاتها؛ لتلتقي بذوات الآخرين، وهذا، في رأيي، ما يجب أن تكابده النساء في كتاباتهن.